ترتيل القرآن
من كتاب "عون المعبود شرح سنن أبى داود". حدثنا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ المَهْرِيّ، أنبأنا ابنُ وَهْبٍ حَدّثَني عُمَرُ بنُ مَالِكٍ وَحَيْوَةُ عن ابنِ الْهادِ، عن مُحمّدِ بنِ إِبراهِيمَ بنِ الْحَارِثِ، عن أبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِالرّحْمَنِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله jقالَ: "مَا أذَنَ الله لَشَيْءٍ مَا أذَنَ لِنَبِيّ حَسَنِ الصّوْتِ يَتَغَنّى بالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ".
(يقال): أي عند دخول الجنة (لصاحب القرآن): أي من يلازمه بالتلاوة والعمل لا من يقرؤه ولا يعمل به. (اقرأ وارتق):أي إلى درجات الجنة أو مراتب القرب (ورتل): أي لا تستعجل في قراءتك في الجنة التي هي لمجرد التلذذ والشهود الأكبر كعبادة الملائكة (كما كنت ترتل): أي في قراءتك، وفيه إشارة إلى أن الجزاء على وفق الأعمال كمية وكيفية (في الدنيا): من تجويد الحروف ومعرفة الوقوف (فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها): وقد ورد في الحديث أن درجات الجنة على عدد آيات القرآن، وجاء في حديث من أهل القرآن فليس فوقه درجة، فالقراء يتصاعدون بقدرها.
قال الداني: 'وأجمعوا على أن عدد آي القرآن ستة آلاف آية، ثم اختلفوا فيما زاد فقيل ومائتا آية وأربع آيات، وقيل وأربع عشرة، وقيل وتسع عشرة، وقيل وخمس وعشرون، وقيل وست وثلاثون' انتهى. ويؤخذ من الحديث أنه لا ينال هذا الثواب الأعظم إلا من حفظ القرآن وأتقن أداءه وقراءته كما ينبغي له.
قال الخطابي: 'جاء في الأثر عداد آي القرآن على قدر درج الجنة، يقال للقارىء اقرأ وارتق الدرج على قدر ما تقرأ من آي القرآن، فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة، ومن قرأ جزء منها كان رقيه من الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة' انتهى.
وقال الطيبي: 'إن الترقي يكون دائماً، فكما أن قراءته في حال الاختتام استدعت الافتتاح الذي لا انقطاع له، كذلك هذه القراءة والترقي في المنازل التي لا تتناهى، وهذه القراءة لهم كالتسبيح للملائكة لا تشغلهم من مستلذاتهم، بل هي أعظمها' انتهى.
قال بعض العلماء: 'إن من عمل بالقرآن فكأنه يقرؤه دائماً وإن لم يقرأه، ومن لم يعمل بالقرآن فكأنه لم يقرأه وإن قرأه دائماً، وقد قال الله تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب). فمجرد التلاوة والحفظ لا يعتبر اعتباراً يترتب عليه المراتب العلية في الجنة العالية'. قال المنذري: وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح.
(كان يمد مداً): المراد أنه كان يمد ما كان في كلامه من حروف المد واللين بالقدر المعروف، وبالشرط المعلوم عند أرباب الوقوف. وفي صحيح البخاري: 'سئل أنس كيف كان قراءة النبي J، فقال: 'كانت مداً'، ثم قرأ "بسم الله الرحمن الرحيم"، يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم. وهو يدل على أن النبي J كان يمد قراءته في البسملة وغيرها، وقد استدل به القائلون باستحباب الجهر بقراءة البسملة في الصلاة، لأن كون قراءته كانت على الصفة التي وصفها أنس تستلزم سماع أنس لها منه J، وما سمع مجهور به، ولم يقصر أنس هذه الصفة على القراءة الواقعة منه J خارج الصلاة، فظاهره أنه أخبر عن مطلق قراءته J. قال المنذري: وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه.